أعتقدُ بأنّ فكرة العاطفة والوجدان التي تنسب غالبا إلى الشعراء الرومانسيين كانت موجود وفاعلة خلال مسيرة الشعر العربي منذ الجاهلية وحتى العصر الحديث ، فلايمكن أن ينشأ شعر بلا عاطفة أو انفعال، ولو ألقينا نظرة مثلا على الأغراض الشعرية لتبين لنا أنها نابعة من الأحساس الوجداني للشاعر والعاطفة العميقة ، وهل سُميّ الشعرُ شعراً إلا لعلاقته بالشعور والأحاسيس . وتصدر عن العرب الأوائل المقولة المشهورة (أشعر الشعراء امرؤ القيس إذا ركب،والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب.) فشعراء العصر الجاهلي بكوا الأطلال ، وتأثروا بألم الفراق، ونلحظ مثلا مرثية أبي ذؤيب الهذلي في أولاده تنبع كذلك بالعاطفة الحزينة على فراق الأحباب ، واتسعت مدارك الشعراء خلال العصرين الأموي والعباسي ، فبرز الغزل العفيف الذي هو ترجمة للمحبة والإنفعالات النفسية المتبادلة بين المحبين .
ولم تكن فكرة الانفعال أو العاطفة غائبة عن تصورات النقاد العرب الاوائل ، فقد أشاروا إليها أثناء روايتهم للشعر وحكمهم الذوقي باختيار أشعر بيت للعرب .
ويعتبر مصطلح التخييل مرتبطا إلى حد ما بالشعور النفسي والوجداني للشاعر في قدرته على صياغة صور لاعقلية ــ وجدانية ــ وهذا المبحث طرق من النقاد البلاغيين خلال القرون الماضية .
فجاء عند الجرجاني تحت تقسيم للمعاني إلى قسمين: معان عقلية ومعان تخييلية، وقصد بالقسم التخييلي ما (لا يمكن أن يقال إنه صدق، وإن ما أثبته ثابت وما نفاه منفي) [1]
أما حازم القرطاجني فقد عرّف التخييل مع تعريف الشعر موضحاً أثره في النفس، مبعداً عنه الصدق والكذب، ويقصد به (أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيّل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيّلها وتصوّرها، أو تصور شيء آخر بها انفعالاً من غير روية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض).[2] وأشار حازم أيضاً إلى أن المراد من التخييل التعجيب، مع مراعاة حال المتلقي والمقام . وهذا مما يمكن أن نعدّهُ من اللمحات الأولى للنقد الرومانسي ، والالتفات إلى آثار الشعور والوجدان والعاطفة في الشعر .
عبدالله أحمد قنيوي
ذوالقعدة 1431هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق